Posted by : Unknown
الجمعة، 13 أكتوبر 2017
يبدأ فرج فوده كتابه بإهداء إلى روح عميد الأدب العربى، الدكتور طه حسين..
يتناول فرج فوده فى الكتاب تعريف الإرهاب، وعلاقة الإرهاب بالشائعات، فالإسلاميون يقومون أولا بإطلاق الشائعات لتهيئة الرأى العام على الأقل أن يقف على الحياد فى مواجهة الدولة للإرهاب، قد يصل الأمر إلى إقناع الرأى العام بتبرير جرائم الإرهاب.
ينفى فرج فوده بالأدلة والمنطق وجود أى رابط بين التعذيب والإرهاب، فالإرهاب فى الأربعينيات الذى مارسه التنظيم السرى لتنظيم الإخوان الإرهابى كان سابقا على عصر عبد الناصر.
يضع فرج فوده سبلا للتصدى للإرهاب على المدى القصير والمدى الطويل..
- على المدى القصير:
1- الديموقراطية.
2- سيادة القانون.
3- الإعلام.
- على المدى الطويل:
1- التعليم.
2- الإقتصاد.
3- الوحدة الوطنية
يتهم فرج فوده الإعلام بدعم تحويل مصر إلى دولة دينية، فيقول:
الخط الإعلامى الوحيد الثابت في الإعلام المصرى، فى أغلبه، يستهدف تهيئة الرأى العام المصرى لقبول تحويل مصر إلى دولة دينية، وعكس ذلك شديد المحدودية، بل هو رد فعل وقتى، يحدث فى أعقاب أحداث الإرهاب أو التلويح بها، وينتهى دائما فجأة كما بدأ فجأة، وترتفع بعده نبرة لم الشمل، والمصالحة، والإقناع بالحسنى، والتبرير بحسن النوايا، والتأكيد على أننا المخطئون، فقد دفعناهم إلى إطلاق الرصاص حين لم نستجب لهم.
كما كتب داعيا إلى عدم دفن الرؤوس فى الرمال:
إذا كنا لا نريد أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، وأحسب أن أوضاع الحاضر لا تسمح بذلك الترف، فإن علينا أن نواجه حقيقة قاسية، لأن إدراك المشكلة هو سبيل الحل، علينا أن نعترف بأن لقضية الإرهاب أضلاع ثلاث أولها الإرهاب نفسه، وثانيها سلطة الدولة وهيبتها، وثالثهما موقف الشعب واقتناعه أمام الصراع الذى يدور بين الطرفين أو الضلعين الأولين، أى بين الإرهاب والسلطة، والحقيقة التى نود أن نؤكدها أن الضلع الثالث هو الفيصل، وهو العنصر الأساسى فى حسم الصراع، إن غاب غامت الرؤية، وإن انتصر لأحد الفريقين نصره بلا جدال، وحسم الأمر لصالحه دون شك.
وفى مقدمة الكتاب يوجه فرج فوده رسالة إلى التنويريين والعلمانيين الحقيقيين، وإلى الذين يُنافقون ويدافعون عن الإرهاب من مُدّعين العلمانية والليبرالية، فكتب يقول:
لابد أن نُسلم بحكمة علوية تهيئ الأفراد لأداء دور، ربما دفعوا حياتهم من أجله، وربما أسعدهم الحظ بحصاد النتائج خلال حياتهم، وربما حدث العكس فعاشوا حياتهم يتنازعهم حماس تأييد القلة، وصراخ تنديد الكثرة، وليس عليهم إلا أن يُدركوا حقيقة واحدة، وهى أنهم موجودون لأداء دور، تفرضه عليهم معطيات الواقع ومتطلبات المستقبل، ويدفعهم إليه إيمانهم بأوطانهم وبمستقبل الأجيال القادمة، وأن وجودهم مرتبط بأداء هذا الدور، وأنهم بقدر هذا الأداء سوف يكونون، وبقدر التضحية سوف تنتصر دعوتهم، وبقدر قوة مناوئيهم وعنفهم وجبروتهم، بقدر ما يكون لأدائهم معنى، ولدورهم تأثير، وبقدر إيمانهم بأن رحلة العمر كلها قصيرة، وأن الجميع إلى نهاية طال العمر أو قصر، وأن النهاية ثمن ضئيل لبداية الآخرين على طريق صحيح، بقدر ما تأتى البداية بأسرع مما يظن الجميع، وبقدر ما ترتفع الراية إلى أعلى مما يتصور الكل.
من منا يتذكر اسما واحدا من أسماء من أنكروا على جاليليو مقولته بدوران الأرض حول الشمس؟ لا أحد، بينما يتذكر الجميع جاليليو، ويعترف الجميع بصحة نظريته، ولو أخفى جاليليو ما توصل إليه، لربح العيش الآمن وخسر نفسه، ولما ذكره أحد..
من منا يتذكر من قطع أطراف ابن المقفع وأجبره على أكلها بعد شيها، لأنه تجرأ على إزجاء النصح للحاكم فى كتابه (رسائل الصحابة)، تقريبا لا أحد، بينما تنتقل كتب ابن المقفع، كليلة ودمنة، والأدب الكبير، والأدي الصغير، ورسالة الصحابة، من الأجداد إلى الأحفاد، وأحفاد الأحفاد، ويرتفع ذكره بقدر صدقه مع نفسه ومع الناس ولو تفرغ لكتابة عرائض المديح، وقصائد الثناء، لاندثر ذكره فيمن اندثروا وما أكثرهم، وما زاده عذابه فى النهاية الأليمة إلا ارتفاعا فى المكانة وخلودا فى الذكر..
لا أذكر هذا تعزية للنفس، ولا تسرية عليها، وإنما أذكره لكى يتعظ من يركبون مدّ الإرهاب، استجابة لتصفيق صفيق، ومجاراة لريح السموم التى هبت على مصرنا فى غفلة من التاريخ، وسعيا وراء عيش هنئ، وطعام مرئ، ولو تأملوا قليلا، لأدركوا أنهم لا يتجاوزون فى رؤيتهم أرنبة أنفهم، وأنهم يسعون بأنفسهم إلى حتوفهم، وأن لفعالهم مكانا خالدا فى مزبلة التاريخ، وأن أولادهم وأحفادهم سوف يحصدون نتائج مزايداتهم عيشا وغدا مقابل عيشهم الرغد، وسما ناقعا مقابل طعامهم المرئ.
مازلت أتذكر أحد أيام صيف عام 1982 وأنا أعرض مسودات كتابى الأول (الوفد والمستقبل) على الأستاذ الكبير إبراهيم طلعت فى الإسكندرية، تعليقه المختصر: "بالتوفيق، لكنك تضع نفسك أمام فوهة المدفع"، وقد تذكرت قوله مرة ثانية وأنا أتهيأ لإصدار كتابى الثانى (قبل السقوط)، الذى رفضت كل دور النشر إصداره، وكان تقديرى أننى وضعت نفسى بكتابته فى فوهة المدفع ذاته، وهى هى السنوات تمر، ويتوالى ما أصدرته من كتب، (الحقيقة الغائبة)، ثم (حوار حول العلمانية)، ثم (الطائفية إلى أين) بالمشاركة مع آخرين، ثم (الملعوب)، ثم الكتاب الذى أقدمه للقارئ، ولم ينطلق المدفع بعد، ولا يعنينى أن ينطلق، بل إن الموقف برمته أدى إلى نتائج معاكسة تماما لما استهدفه مغاوير زماننا الكئيب، فاليوم الذى لا يصلنى فيه تهديد منهم، (عمر ضايع يحسبوه الناس على) كما تقول أم كلثوم، والصباح الذى لا تكتحل عيناى فيه بهجوم من تياراتهم دليل قصور فى سعى وتقصير فى جهدى، وأذكر أن جريدة (الأحرار) فى عهد سيطرة التيار الدينى على حزب الأحرار، تفرغت للهجوم علىّ، مدفوعة بمحاولة أحد القيادات السياسية الدينية تصفية حساباته السياسية معى، ولم يكن يمر أسبوع دون خبر مثير، أو مقال عنيف، أو هجوم مستفز، وكم كانت جوانحى ترقص طربا وأنا أقرأ هذا كله، لأن معناه واضح لديهم، ومفهوم لدى، ودلالته أننى أوجعتهم بما أكتب، وأثيرهم بما أجتهد، ومادام رد فعلهم سبابا وقذفا فمعنى ذلك أن منطقهم أعجز عن الرد، وأهون من الحوار، وأقصر من التصدى، وقد هالنى أن يمر أسبوعان دون شئ من ذلك، فرفعت سماعة الهاتف محدثا الأستاذ محمد عامر رئيس التحرير، الذى انتقلت دهشته إلى عبر المحادثة، وأنا أسأله: ترى هل قصرت فى شئ، وهل تراجعت عن شئ، وهل توقفت عن شئ، وإذا لم يكن شئ من هذا ورادا فلماذا لا أجد حرفا واحدا فى جريدتكم ينقل إلى ما تعودته منكم، ولماذا لا تجودون ولو شتيمة بواحدة، أو كلمة سباب، أو عبارة قذف، لماذا يا أستاذ عامر؟، لقد كدت أشك فى نفسى، وبالطبع كان رده مزيجا من الضحك والاندهاش، والحق أنه استجاب لندائى، وأجاب رجائى على خير ما أتمناه وأنتظر، وإذا كان الشئ بالشئ يُذكر، فلعل القارئ يذكر أن اسمى كان ترتيبه الثالث لدى تنظيم (الناجون من النار) كما أسموا أنفسهم، أو (الساعون إلى النار) كما أسميهم، ولو لم يحدث ذلك لشعرت بأسى شديد، فالشجاعة تقاس بعداء الجبناء، والسمو يُقاس بعداء الوضعاء، والرصاص هو التعبير العنيف عن منتهى الضعف، وعندما سألنى محرر مجلة أكتوبر عن تعليقى، أبديت منهتى الحزن والأسى، على أن ترتيبى تأخر إلى المركز الثالث، ووعدت بأن أبذل قصار الجهد حتى أحتل الموقع الجدير بى، فى المقدمة، وربما تصور البعض أنها شجاعة لكننى أصصح لهم، فالحقيقة أنه.. الطموح..
أى زمان هذا الذى نعيش فيه؟ وأى حوار هذا الذى ينطق أحد أطرافه بالكلمات، فيرد الطرف الآخر بالطلقات؟، إننى كثيرا ما أتساءل: هل مر على مصر فى تاريخها كل شئ مثل هذا أو شبيه به؟ وهل مطلوب من صاحب الرأى أن يتمتع بمهارة استخدام المسدس للدفاع عن نفسه، وأن يفسح مساحة من وقته لكى يتدرب على الكارتيه بديلا عن التفرغ للقراءة أو الكتابة؟، إذا كان المقصود أن نتراجع فقد طلبوا المستحيل، وإذا كان المستهدف أن نخاف فقد ضلوا السبيل، وإذا كان المطلوب أن نغمد القلم فقد أخطأوا رقم الهاتف، وليس فى الأمر شجاعة منا بقدر ما فيه من منطق، فالموت أهنأ كثيرا من العيش فى ظل فكرهم العيىّ، وحكمهم العتىّ، ومنطقهم الغبىّ، وأن يفقد الواحد منّا حياته وهو يدافع عن وحدة الوطن، أشرف كثيرا من أن يعيش فى وطن ممزق، للمرة الأولى فى تاريخه، وأن يُضحى الواحد بالسنوات الباقية من عمره أشرف كثيرا من أن يقضيها تحت حكم من يُفضلون ركوب الناقة على ركوب السيارة، لأنة الثانية (لتركبوها) بينما الأولى (لتركبوها وزينة)، كما يذكر أحد أمراء الجماعات فى أسيوط، أو من يذهبون فرادى وجماعات لقضاء الحاجة فى الخلاء، وفى يد كل منهم حجر وبوصلة، الحجر للاستنجاء، والبوصلة لضبط المؤخرة فى عكس اتجاه القبلة، كما يفعل أعضاء الجماعة الإسلامية فى أسيوط.
المقبرة أهون، والاستشهاد أفضل، والجهاد ضدهم حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا هو الاختيار الصحيح والمريح..
شهيد الحق والتنوير دكتور فرج فوده
مصر الجديدة، 30 يونيو 1987