Posted by : yazan alaws
الأربعاء، 25 أكتوبر 2017
عن الكتاب
رائع ما قرأته في هذا الكتاب . يبهرني الدكتور علي شريعتي دائماً بأهمية المواضيع التي يتناولها ، فهو ملم بها متمكن كل التمكن فيما يعرضه على جمهور القراء ، لكن ما يبهرني اكثر هو اسلوبه الرائع في الطرح و عمق تحليلاته و قوته في ترجيح المنطق السليم.
في هذا الكتاب قام الدكتور علي شريعتي بتناول موضوعين اساسيين في غاية الاهمية و كان الموضوع الأول هو "اصالة الإنسان" او ""أومانيسم" ، حيث قام شريعتي بتحليل اصالة الإنسان في ضوء اربع تيارات فكرية مختلفة :
1-الليبرالية الغربية
2- الماركسية
3-الوجودية
4- الدين
و من خلال ذلك وضح الدكتور علي شريعتي مدى الخلل الذي يصيب الوجود الإنساني من تعريفات الايديولوجيات المادية و تخبطها في فهم حقيقة الإنسان و ماهيته.
الواقعيون مثلاً حى لهذا التخبط ، فهم ينكرون القيم الإنسانية لانها لا وجود لها في الطبيعة و غير متواجدة في المادة و بما انها تنبع من داخل الإنسان فهى لا تعدو (بالنسبة لهم) إلا ان تكون مقولات كمالية نموذجية أو داخلية ذاتية.
و لهذا نرى الفلاسفة الواقعيين كالماديين و الطبيعيين يتحرجون إلى حد ما في إنكار القيم ، و يبررونها إما بصورة خرافات ، أو وهميات ، أو عادات موروثة ، أو تقاليد إجتماعية تنشأ من شكل الحياه المادية إلخ.
و هم بتحليلهم الجاف القاسي يجعلون حرمة الإنسان و قدسيته و فضيلته الذاتية هباء منثوراً.
أما ماركس فجميع القيم التي يهديها للإنسان تكون خلال نقده للنظام الرأسمالي و علم النفس البرجوازي حيث يرى انهما يقيسان القيم الوجودية للإنسان بالمال و يجران الإنسان من الناحية الأخلاقية إلى الخسة ، و لكنه عندما يعرض اسسه الفكرية و يتحدث عن المادية الديالكتيكية ، بالتبرير المادي و البيولوجي للعلوم الطبيعية (كما يقبلها و يفهمها عقله) يجعل القيم الإنسانية لا اساس لها و لا قيمة و أنها هذه القيم بائسة ، فلا يختلف في ذلك عن الماديين الآخرين و الواقعيين المتزمتين.
و يخلص الدكتور علي شريعتي إلى ان الايديولوجيات الحديثة المختلفة كلها تنكر الإنسان بإعتبار اصالته و تعتبره شيئاً مادياً او حيوانياً او موجود بيولوجي.
و يوضح الدكتور علي شريعتي كيف جعلت السوسيولوجيا من وجهة نظر مادية متطرفة الإنسان كبناء ، فهى ترى ان الإنسان مجموعة عناصر ليس إلا و بهذا حولت الإنسان بصورة وليد شكل الإنتاج المادي ، و لما كانت آلات الإنتاج هى التي تحدد بشكل الإنتاج جعلت الماركسية اصالة الإنسان نابعة من اصالة الآله، و على خلاف قول الإسلام "ان الإنسان ابن آدم" اصبح ابن الآله!!
و كانت الفاجعة الكبرى عندما التصقت الديالكتيكية بالمادية ، فهى ولدت ما يسمى بـ "الجبر المادي" (دترمي نيسم) ، اى حكومة مسيطرة على المصير التاريخي للإنسان ، و بهذا قيدت الإرادة الإنسانية الحرة التي تمنحه الاصالة في هذا العالم، وبهذا وقع الإنسان في نفس الحفرة التي وقع فيها في الماضي ، هذه الحفرة التي حفرتها الأديان الخرافية أو الفلاسفة أو المتكلمون المرتبطون بالسلطة ، غير أنه بدلاً من ان يرتبط رأسه بالسماء تحت مسمى "الجبر الإلهي" اصبح رأسه مرتبط بالأرض تحت مسمى "الجبر المادي".
ثم يوضح الكاتب خلل الفلسفة الوجودية و عجزها عن فهم الإنسان و القيم الإنسانية ، خاصة بعدما قرر "سارتر" التمسك بالنهج المادي بدل من الروح الدينية ، و بهذا ينهار النظام الوجودي الراقي ، من أوج الإنسان الإلهي إلى هوة حيرة التمسك بالتفاهة(على حد تعبير شريعتي) ، و هنا يأتي السؤال التعجيزي للفلسفة الوجودية "من أين تنبع إرادة الإنسان الميتافيزيقية (بما ان الوجودية تعترف بمسؤولية الإنسان) التي هى خارج المادة و الطبيعة و المسيطرة على المحيط الإجتماعي و حتى أنها حاكمة على الإنسان الطبيعي؟ هل ان المادة نفسها قد صنعت وجوداً غير مادي؟"
أما الموضوع الثاني الذي تناوله الدكتور علي شريعتي هو " الإنسان بين تضاد الماركسية و الدين". يوضح الدكتور علي شريعتي سبب هذا التضاد و ان المادية الديالكتيكية في المدرسة الماركسية لم تكن كنظرية الماديين الفلسفية أو الطبيعيين اللادينيين في القرن الثامن عشر أو في اليونان القديمة و إنما هى تحكي نوعاً من الإنطباع الفلسفي بالنسبة إلى الإنسان و العالم ، بل تعنون أيضاً باعتبارها "الواقعية الوحيدة التي هى مئة بالمئة علمية". و هى دعوة متعصبة لا تتحمل أى نظرية فلسفية أخرى أمامها ، و بالتالي كانت تعتبر نفسها "الحق المطلق المنحصر" و كل ما هو موجود سوى ذلك فهو "باطل مطلق"
و هى تعتبر واجبها باعتبارها رسالة أصيلة متحمسة ، المبادرة بالجتثاث المبرمج للدين من أى نوع أو شكل كان ، و بما أنها تعد الدين أساساً ليس باطلاً فحسب ، بل و مضراً و مخالفاً للعقل و عدواً للجماهير فهى تعتبره عقبة في طريقها ، و لا تخفي ذلك ، على حد قول لينين الصريح : "تجب الثورة على الدين".
و يوضح الدكتور علي شريعتي كيف تعمد ماركس استخدام المغالطات المنطقية لنقد الدين ، فهو يأخذ النظرة العوامية الدينية ملاكاً للاستدلال الديني ، لأن النظرة العوامية الدينية تبحث دائماً عن الله خارج القوانين المنطقية و الطبيعية و مجريات الأمور العقلية. و أنه (أى ماركس) يستدل بالحوادث الإستثنائية و الشواهد غير العلمية و غير الطبيعية ، بينما جعلت الكتب الدينية ، على رأسها القرآن ، قاعدة استدلالها التوحيدية عن الطبيعة ، السنة ، قوانين الحياه الثابتة ، أساس العقل و المعقولو اتساق أمور العالم ، و اعتبرت كل هذه شواهد عينية على إثبات شعور حاكم على الطبيعة.
و يستمر الدكتور علي شريعتي في نقد الماركسية و نظرتها الحاقدة للدين حتى يصل لعبارة ماركس المتعصبة "إن الدين تحقق - محير للعقول - لمصير البشر ، في الوقت الذي لم يكن للبشر مصير واقعي" و يوضح شريعتي كيف ان إختلاف الدين الأساسي مع المادية يكمن هنا ، حيث ان الإنسان اصبح يتجه نحو "التفاهة" لا سيما جيل الشباب "يتمرد تافهاً" ، و هذا كله كان نتيجة حتمية و واضحة لإنكار النظرة الإلاهية للعالم ، لأن إنكار وجود الله و هو حاضر في الوجود و في الإنسان ، يجعل الوجود غيبياً و الإنسان بلا معنى ، إلى حد لا تتمكن معه وجودية سارتر أن تهب له شعوراً و معنى ، و لا ديالكتيكية هيجل المقلوبة بواسطة ماركس!
و يوضح الدكتور علي شريعتي كيف ان الإسلام و الماركسية يقفان متضدان وجهاً لوجه و السبب في هذا ان كل الايديولوجيات الدينية و غير الدينية ايديولوجيات جزئية او ذات بعد واحد من ابعاد الإنسان الحياتية و هذا عدا الماركسية و الإسلام ، فالإسلام باعتباره ديناً و أمة ، في صدام شامل مع الماركسية لأنها الوحيدة من بين هذه الايديولوجيات التي لها ابعاد متعددة و تامة الصنع، الماركسية من بين جميع الايديولوجيات الحديثة تسعى لاستيعاب جميع وجوه الإنسان المادية و المعنوية و الفلسفية و العلمية و الفردية و الإجتماعية و الإقتصادية و الأخلاقية على اساس نظرتها المادية للعالم، و لهذا السبب فإن فاجعة المادية في هذا النظام تنهار على الإنسان من جميع الابعاد. و الإسلام أيضاً من بين جميع أديان التاريخ له هذه الميزة و هى أنه لا يقتصر على صلة الإنسان بالله أو تزكية النفس ، بل و يعلن عن نفسه بعنوان مدرسة جامعة ذات أبعاد إنسانية مختلفة ، بدءً من النظرة الفلسفية للعالم حتى أسلوب الحياه الفردية.
و بناء على تحقيق هنري مارتلينه : إن الماركسية و بالرغم من الأرضية السياسية و الإقتصادية المساعدة التي حصلت لها في الفترات المختلفة لهذه السنوات المائية ، لم تتمكن من النجاح في أى من المجتمعات الإسلامية -بعكس الشرق الأقصى و أمريكا اللاتينية- و يجب القول بأن السبب هو الإسلام".
لماذا لأن الإسلام خلاقاً للديانات الأخرى يقاومها لا في البعد الفلسفي فحسب بل في جميع الأبعاد و الوجوه ، لأنه ذو دعوة مستقلة.
و في النهاية و بعد عديد المقارانات بين الايديولوجية الشيوعية و الإسلامية يوضح علي شريعتي سمو الإسلام في نظرته إلى الإنسان ، فالإسلام يعتبر الإنسان خلقاً آخر بجانب المادة مستقلاً عن جبر الطبيعة المادية ، فالإنسان من وجة النظر الإسلامية مخلوق من الله له كامل المسؤولية في الإختيار و تحديد مصيره ، حيث خلق الله للإنسان إرادة مستقلة عن إرادته فاطلقه من قيد الجبر الإلهي ، و عن هذا الطريق و بتصميم الإنسان باعتباره ذو إرادة و وعى تحرر من أسر "السماء" و كذلك من "أسر الأرض" و بهذا يصل الإسلام إلى أصالة للإنسان صحيحة ، ثم يسلمه أمانته الخاصة ، التي حملها الإنسان و تمرد جميع العالم على حملهاو يأمر جميع الملائكة - الذين هم رمز جميع قوى العالم - بالسجود عند قدميه.
و في النهاية يجعله خليفة في الأرض بحيث يقرر مصيره بكدحه و تضاده و وعيه ، و يرجع عن هذا الطريق "الوعى بالذات" إلى الله.
و يختم الدكتور علي شريعتي بقول العلامة "اقبال" ( العالم الإسلامي الكبير المعاصر) : إن الإسلام و الشيوعية يتحدثان عن الإنسان و يدعوان إليه . أما الشيوعية فتسعى لتهبط بالإنسان من الله إلى التراب ، و بالعكس فإن الإسلام يسعى ليسمو به من التراب إلى الله".
و بعد هذه المراجعة لهذا الكتاب القيم لا يسعني إلا ان اقول انني لا اكاد انتهي من احدى كتب هذا العبقري (علي شريعتي) حتى ينال مني الإعجاب به و بافكاره كل منال و حتى يتملكني الرضا بل و تتملكني السعادة بما تزودت به من معرفةو علم
قراءة
تحميل