Posted by : Unknown الجمعة، 6 أبريل 2018






بقلم داوود سلمان العكري 

في هذا المقال نذكر احد تلك الضحايا من اصحاب الفكر الحر من الذين كفروهم ورموهم بالزندقة ، وبالتالي حكموا عليهم بالإعدام وقطعوا رؤوسهم ، وتخلصوا منهم جسديا ، لكن فكرهم وفلسفتهم وابداعهم ظل منارا للأجيال تغترف من معينه ما تشاء ، الا وهو الجعد بن درهم . والجعد وهو من حران في دمشق ، كان معلم مروان بن محمد الملقب بالحمار آخر خلفاء بني امية { راجع احمد امين ، ضحى الاسلام 3/119} . وعاش في اوج عظمة الدولة الاموية بما فيها من تقلبات واوضاع سياسية ، ينّظر ويحدث ويناقش ويلقي الشعر . فمن ذلك له ابيات يرد فيها على الفرزدق الشاعر : تبكي على المنتوف في نصر قومه ... ولسنا نبكي الشائدين أباهما أراد فناء الحي بكر بن وائل ... فعز تميم لو أصيب فناهما فلا لقيا روحا من الله ساعة ... ولا رقأت عينا شجي بكاهما أفي الغش نبكي إن بكينا عليهما ... وقد لقيا بالغش فينا رداهما {راجع تاريخ الطبري } قالوا: (كان الجعد أول من تفوه بأن الله لا يتكلم، وقد هرب من الشام. ويقال: إن الجهم بن صفوان أخذ عنه مقالة خلق القرآن، وأصله من حران. فبلغنا عن عقيل بن معقل بن منبه قال: وقف الجعد على وهب بن منبه، فجعل يسأله عن الصفة، فقال: ياجعد، ويلك، أنقص من المسألة، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أنه له يداً، ما قلنا ذلك، وأن له عيناً، ما قلنا ذلك، ثم لم يلبث الجعد أن صلب. قال أبو الحسن المدائني: كان الجعد زنديقاً ) . {تاريخ الإسلام للذهبي الجزء السابع الصفحة 337 } . وهذا قد يكون افتراء على الرجل ، وحتى ان قال ذلك فهو المسؤول امام الله ، ومن باب ان معرفته اوصلته الى ما هو عليه ، وقد يعدل عن رأيه عن طريق الحوار والمناقشة . وقوله ان الله لا يتكلم ، اعتقد انه كان على صواب ، فلو فسرنا ما معنى الكلام ؟ وهو الذي يصدر عن طريق اللسان ، والانسان اذا قطع لسانه فانه قطعا لا يتكلم . فالكلام اذن يصدر عن طريق هذا العضو ، والله تعالى قطعا ليس له لسان ، واذا قلنا بهذا فقد جسمنا الله ، وهناك فرقة من فرق المسلمين تسمى المجسمة الذين جسموا الله وجعلوا له يد وارجل وطول وعرض ، وشبهوه بالإنسان . وكلام الله ليس كما نفهنه نحن البشر ولا ندري حقيقته على وجه الدقة واليقين . فهل الذي يقول بهذا يستحق القتل ؟! كما قتل هذا الرجل وامثاله . وكان يفترض بهم ان يناقشوه حتى يثبتوا وجهة نظره هل هي صحيحة ام خطأ . لكنهم لا يعرفون اسلوب الحوار ،ولا معنى الحوار ، وكل من خالفهم فهو كافر ، جاحد ، منكر للسريعة ، مرتد ، فذلك يلتجؤون الى القتل . وقال ابن تيمية : ( ويقال إن أول من ابتدع نفي الصفة هو الجعد بن درهم معلم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية وكان هذا الجعد من حران . وكان فيها أئمة الصابئة والفلاسفة والفارابي كان قد أخذ الفلسفة عن متى ثم دخل إلى حران فأخذ ما أخذه منها عن أولئك الصابئة الذين كانوا بحران . وكانوا يعبدون الهياكل العلوية ويبنون هيكل العلة الأولى ، هيكل العقل الأول هيكل النفس الكلية ، هيكل زحل هيكل المشتري ، هيكل المريخ ، هيكل الشمس ، هيكل الزهرة ، هيكل عطارد ، هيكل القمر ويتقربون بما هو معروف عندهم من أنواع العبادات والقرابين والبخورات ) . { ابن تيمية ، منهاج السنة ، ج الثاني ، الفصل الثاني } . وهذا الكلام لا يستحق ان نرد عليه ، لا سيما اتهامه للفارابي ، هذا الفيلسوف العربي العظيم ، صاحب (المدينة الفاضلة ) والذي اعترفت به حتى الغرب واشادت بفلسفته وفكره الثاقب . واما ابن تيمية فالرجل ايضا اودع السجن بسبب مواقفه المتطرفة التي اغضبت الخلفاء والحكام ، ونال ما نال من تعذيب . قال في سرح العيون : " وهو – أي الجعد – اول من تكلم بخلق القرآن من امة محمد ، بدمشق ، ثم طلب فهرب ، ثم نزل الكوفة فتعلم منه الجهم بن صفوان القول الذي نسب اليه الجهمية . وقيل ان الجعد اخذ ذلك من ابان بن سمعان ، واخذه ابان عن طالوت بن اعصم اليهودي " . { راجع احمد امين ، ضحى الاسلام 3/119} . ومعلوم ان قضية خلق القران قد اثارها الخليفة المأمون في خلافته ، وكان من لا يرى رأيه يودع السجن حتى سجن خلق عظيم . ولا يسع المجال هنا ان نتكلم عنها . قالوا : وكان خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة يخطب خطبة العيد و( كان ممن حضر الجعد بن درهم فقال خالد في خطبته الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلاً وموسى كليماً فقال الجعد وهو بجانب المنبر لم يتخذ الله إبراهيم خليلاً ولا موسى كليماً ولكن من ورا ورا . فلما أكمل خالد خطبته قال يا أيها الناس ضحوا قبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولا موسى كليماً في كلام طويل . ثم نزل فذبحه في أسفل المنبر فلله ما أعظمها وأقبلها من أضحية والجعد هذا من أول من نفى الصفات وعنه انتشرت مقالة الجهمية إذ ممن حذا حذوة في ذلك الجهم بن صفوان عاملها الله تعالى بعدله . قال الذهبي في المغني الجعد بن درهم ضال مضل زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيراً ) { راجع شذرات الذهب – ابن العماد. ابن الاثير في الكامل}. هكذا يفعل القسري والي الكوفة بذبح رجل قال قولا لا يلاءم وجهات نظرهم ، وفي يوم العيد الذي تفرح به الناس ويهنئ بعضهم بعضا ، فيصير جثة هامدة ، وانت قدر موقف اسرته ، يوم عيد ويقتل رب الاسرة . القسري يتقرب الى الله بدم رجل ، ربما يكون على صواب حينما رأى ما رأى من كلام . كذلك اعدموا صدام حسين يوم عيد – حتى وان كان طاغية وهذا ليس دفاعا عنه لأنني ايضا من ضحاياه - لكن لماذا في هذا الوقت بالذات . اذن ذبح البشر في العيد له جذور تاريخية ، كما يفعل الارهاب اليوم بالناس .

- Copyright © Scrabbles - Blogger Templates - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -