Posted by : yazan alaws الاثنين، 30 أكتوبر 2017

 



عن الكتاب 


“الخيميائي” رواية عن راعي أندلسي يسافر طلباً لكنز مدفون في مكان قريب من الأهرامات الفرعونية. يقابل الراعي العديد من الأشخاص الذين يساعدونه, أو يلهمونه, أو يقفون ضده, في طريقه للكنز. ويواجه الراعي أيضاً الكثير من المواقف الصعبة, والأفكار المحيرة, واللحظات التي تتطلب شجاعة, واللحظات التي تتطلب بصيرة.

رواية مغرقة في البساطة والحكمة .. كعادة كل روايات باولو كويلو ..

باولو كويلو أديب برازيلي ولِد في مدينة ريّّو دي جانيرو عام 1947, له روايات عديدة ناجحة, وقبل أن يكون روائياً, كان مخرجاً مسرحياً, وممثلاً, وكاتب أغاني, وكاتب صحفي؛ لكنه قرر في النهاية أن يكرّس حياته للأدب.

واجهت رواية “الخيميائي” فشلاً في البداية؛ فلم يوزع منها في أول الأمر سوى 900 نسخة, بل إن الناشر اعتبرها عملاً فاشلاً لدرجة أنه أعاد لكويلو حقوق النشر, بعد ذلك نشر كويلو الرواية عند ناشر أخر لتصبح الرواية حينها الرواية الأكثر مبيعاً في الأدب البرازيلي في القرن العشرين, وتتصدر قائمة الأكثر مبيعات في ثمانية عشرة دولة, ويباع منها فوق الأربعين مليون نسخة في مئة وخمسون دولة, وتترجم لأكثر من ست وخمسون لغة, حتى أنه في عام 2003 ( بعد خمسة عشر عام من نشر الرواية ) كان ترتيب الرواية السادس على العالم في مستوى المبيعات.

ورغم أنه عادة يشار لرواية “الخيميائي” بأنها ثاني أعمال باولو كويلو بعد “حاج كومبوستيلا”, إلا أنها في الحقيقة رابع عمل له؛ فالعمل الأول له كان (أرشيف الجحيم)؛ وهو العمل الذي نفذت طبعته الأولى ولم تعاد طباعته حتى الآن, وقد قال كويلو في أحد المقابلات أنه فخور جداً بهذا العمل, وسوف يعيد طباعته في الوقت المناسب. أما بالنسبة للعمل الثاني ( الدليل العملي للفامبيرية ) فقد سُحب لأنه بدا لكويلو أن العمل لم ينجح في إيصال الفكرة المنشودة.

المكان الذي تبدأ منه رواية “الخيميائي” هو في جنوب أسبانيا, في سهول الأندلس, بالقرب من مدينة “طريفا” الواقعة عند مضيق جبل طارق, والتي لا يفصلها عن مدينة “طنجة” المغربية سوى 14 كيلو متر, والوقت, الذي تأخذ الرواية فيه مجراها, هو في أوائل القرن العشرين, أو أواخر القرن التاسع عشر؛ ورغم أن زمن رواية, عموماً, غير واضح فيها, إلا أننا نستطيع القطع بهذا الوقت؛ لأننا في بداية الرواية نرى خيميائياً يقرأ قصة ” التابع” ( The Disciple ) للأديب الأيرلندي “أوسكار وايلد”.

وقصة وايلد هذه عبارة عن تعديل على أسطورة نرسيس (نرجس) الشهيرة؛ فالأسطورة تقول أن نرسيس أٌخذ بجماله, وكان يتأمل نفسه في البحيرة كل يوم, حتى سقط في البحيرة ومات غرقا. لكن أوسكار وايلد يستطرد بعد هذه النهاية, ويقول بأنه بعد وفاة نرسيس تنزل ربات الغابات لتسأل البحيرة عن جماله, لكن البحيرة تقول أنها لا تعلم عن جماله شيئاً؛ فهي كانت تنظر لجمالها هي في عينيه. في الحقيقة أنه اقتباس رائع جداً من كويلو, وقد ألقى هذا الاقتباس بظلاله على فكرة الرواية, حتى أن أحد دور النشر قد جعلت لوحة “نرسيس” للرسام الإيطالي “كارافاغو” غلافاً لرواية الخيميائي.

وفكرة الرواية هي كالتالي:

فكرة الرواية تقوم على مبدأ ( الوحدانية ), فكل الأشياء هي تجليات لشيء واحد؛ وكل الكون خلقته ذات الذات, وبالمثل, فإن كل ما نقوم به في حياتنا هو للقيام بشيء واحد, ولإنجاز مهمة واحدة, وتضيف الرواية, أن أيضاً ما نتمناه ونرغب به هو جزء أصيل من هذا الكون ووحدته.

الكون كائن حي, له روح, وفيه حياة, هذه الروح تتغذى على سعادة البشر ( وأحياناً على تعاستهم ), ومن ( روح الكون ) يتولّد ما تسميه الرواية ( ألأسطورة الشخصية ).

الأسطورة الشخصية هي الواجب الوحيد المفروض على كل شخص, أي مهمته في الحياة, ودائما ما تصير هذه المهمة هي حلم وطموح الإنسان, ودائما ما تراود الإنسان رغبة عارمة وقوية لتأدية هذه المهمة التي جاء من اجلها, وعندما تتملك الإنسان رغبة قوية لتحقيق هذه الأسطورة الشخصية فإن الكون كله يطاوعه لتحقيقها؛ ذلك لأن الكون يتغذى على سعادة البشر, وأيضاً لأن هذه المهمة هي جزء أساسي من الكون, انبعثت من روحه.

ومن أهم أشكال مطاوعة الكون للإنسان في تحقيقه أسطورته الشخصية هي ( المبدأ الملائم)؛ فلأن الكون يريدنا أن نحقق أسطورتنا الشخصية فهو يعمد لأن يجعل (الحظ) بجانبنا في أول الأمر.

كي نعرف ما هي المهمة التي جئنا من أجلها, وكيف نؤديها, يجب أن نصغي للغة الكون, والكون يتحدث بالإشارات, والإشارات هذه تحدث أمامنا على هيئة ما اعتدنا أن نسميه (حظ) أو ( مصادفة), هذه الإشارات هي طريقة الله – حسب وصف الرواية – في إخبارنا بالطريق الذي يجب أن نسلكه, حتى تتعلم لغة الإشارات الكونية يجب أن تتطور حدسك وتثق فيه, وكي تتطور حدسك يجب أن لا تخاف من ارتكاب الأخطاء, ويجب أن تعرف أن لكل شيء معنى ومقصد.

أيضا تقدم الرواية بعض الأفكار الخيميائية القريبة من الأفكار السابقة, ففي علم الخيمياء هناك مصطلح ( روح العالم ), ويقصد به المبدأ الذي يحرك كل شيء, وهو قائم على تحول الأشياء وتغيرها من شكل لأخر, وهو دائماً ما يعمل لصالح الإنسان, ويقترب الإنسان من روح العالم كلما تزايدت رغبته بشيء ما, ونستطيع إدراك روح العالم من خلال لغة الإشارات أيضاً, وهي هنا تسمى (لغة العالم), اكتشاف مبدأ (روح العالم) سمي بــ ( الإنجاز العظيم ) وهو اكتشاف خيميائي مكون من جزأين, أحدهم سائل وهو ( إكسير الحياة), والأخر صلب وهو ( حجر الفلاسفة).

دائما ما نجد نزعة روحية, وصوفية, وأحيانا باراسيكولوجية, في روايات كويلو, وهذا هو طبع كتابات كويلو, وهذا أحد أسرار نجاحه, فأحيانا يحتاج القراء من يعيد المعنى لوجودهم, ويخبرهم أن لحياتهم هدف, وأن عبثية وبرود الحضارة الحالية ليست نهاية المطاف. أيضاً يشتهر كويلو ببساطة أسلوبه الشديدة وببساطة مفرداته, تلك البساطة التي يرافقها دائماً عمق غير عادي في الطرح, ومن ما يتصف به أسلوب كويلو, هو انه لا يصف كثيراً البيئة البرازيلية, وربما يعود ذلك لكونه رجل يحب السفر؛ لذلك يهتم بوصف المكان الذي ذهب إليه أكثر من اهتمامه بوصف المكان الذي جاء منه, ويذكر أنه من أهم أسباب شهرة رواية “الخيميائي” عالميا هو سحر الشرق الموجود في الرواية, وعزز كويلو هذا السحر باستعراضه بعض أوجه التراث العربي والثقافة الإسلامية في الرواية.

من الشخصيات التي جاءت في الرواية هي شخصية “ملكي صادق” وهو رجل عجوز يقول أنه ملك منطقة أسمها “سالم”, يتضح من الأحداث أنه كائن فوق طبيعي, فهو يعرف الأسرار والسرائر, لكن كينونته لا تتضح تماما في الرواية, مهمة “ملكي صادق” هي مساعدة الناس الذين يكونون على وشك العدول عن الجِد خلف أسطورتهم الشخصية, وهو يظهر للكل في هيئات وصور مختلفة. في الحقيقة “ملكي صادق” هو اسم ملك ورد ذكره في التوراة وذكر أيضاً بأنه ” ملك سالم “, و”سالم” اسم قديم للقدس, وقد كان “ملكي صادق” ملك لها في عهد النبي إبراهيم عليه السلام. في الحقيقة لم أجد أي ارتباط بين الشخصية التاريخية والشخصية الموجودة في الرواية.

أن أكثر ما يميز رواية “الخيميائي” هو بساطة المواقف التي ترافقها دلالات عميقة, وهو ما يجعلني أبالغ نوعا ما, وأعتقد أن رواية “الخيميائي” كتبت بفكرتها, أعنى أن الرواية نفسها التي قدمت فكرة الإشارات الكونية, تحمل نفسها إشارات – تظهر في مواقف أو شخصيات أو جُمّّل – قد تبدو للبعض هامشية, وطفولية, وبلا أي معنى, وقد تبدو للبعض الأخر أنها دلالات مهمة, ومعاني عميقة, وإضاءات ضرورية, تماماً مثل الإشارات الكونية التي تحدثت عنها الرواية, وكأن باولو كويلو مبرمج قرر أن يكتب كتاب عن التشفير فكتب الكتاب مشفراً؛ فيكون الكتاب بهذه الطريقة كتب بفكرته.


قراءة 

تحميل

- Copyright © Scrabbles - Blogger Templates - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -