Posted by : yazan alaws الاثنين، 30 أكتوبر 2017



عن الكتاب

كامو هو الأديب الفرنسي الوجودي الشهير، ولد في الجزائر المحتلة حينها من فرنسا في سنة 1913 م، فلذا تدور روايته هذه هناك، وكذا روايته الأخرى الطاعون، كل من قرأوا هذه الرواية تحدثوا تقريباً عن شيئين الأول هو العبث، والثاني هو الغربة، عبثية ما يحدث في الرواية للبطل، وكذلك غربة البطل وعدم فهم المجتمع له.

برأيي هاتين الملاحظتين تنقصهما ملاحظة ثالثة لا تقل أهمية، ويمكننا اعتبارها قاسم مشترك بين العبثية والغربة، ألا وهي مدى تأثير وتركز الوجود المادي للبطل عليه وعلى أفكاره وتصرفاته، وهذه بالنسبة لي هي عبقرية الرواية، حيث هذا الجانب مهمل لدى أغلب الروائيين، كما أنه مهمل لدى كل من يحكي حكاية، إننا نركز على الأحداث، على الأقوال والأفعال وننسى ما انتبه له كامو في روايته.

أعرف أن كلامي السابق غامض، ولتوضيحه سأروي قصة شخصية، قبل سنوات حضرت جنازة حزينة، كانت أول حالة موت مباشرة، أول جنازة أحضرها ويكون المدفون شخص أعرفه، مجرد تلك الفكرة بأن إنسان كان يذهب ويجيء، يتحرك، يتكلم، يأكل، يضحك ويغضب، ومن ثم انتهى، هذه الفكرة الهائلة ملأت قلبي ففاض بحزن جديد، حزن لم أعرفه ولم أجربه من قبل، وحيث وقفت هناك في المقبرة الجرداء، تسفيني الريح، وتصليني الشمس، ويدفعني الزحام، وتغرقني أصوات الناس من حولي، شعرت بقلقٍ غريب، فالحزن في داخلي سماوي شفاف، أريد أن أفهمه، أن أتملاه، ولكن فوضى الناس من حولي، والحرارة والعطش، جعلت الحزن يتراجع قليلاً ليحل محله وجودي أنا، جوعي وعطشي وتعبي، كان ذلكم الشعور بالنسبة لي مخزياً، كيف يمكن لهذا أن يكون !! ألا يمكنني في مثل تلكم اللحظات التخلص من تلك الأحاسيس التافهة؟ ومنذ ذلكم اليوم، كلما حضرت جنازة أو عزاءً، أعاني من هذا الشعور، لا أفهم كيف يبتسم الناس في المقبرة؟ كيف يتحدثون أحاديث جانبية وهم يدفنون عزيزاً، ولا كيف يعودون ليتناولوا غداءً لذيذاً، فالحزن الذي أفهمه، هو حزن انفصالي، يفصلني عن الواقع، عن الجسد ولو لساعات قليلة، إنها أبسط ما أبذله لإنسان أحببته، أن أخلي روحي وقلبي لساعات أتذكره فيها، ولا أنشغل بذاتي ولا بالآخرين.

ميرسو في الرواية كان هذا الرجل، الرجل الذي لا يجيد إخفاء ذاته، لا يجيد التظاهر بالانفصال ليعيش بين الناس، إنه يتصرف وفقاً لما يشعر به، فلذا تكثف وجوده وشعوره في الرواية، فهو يتعب ويعطش، يحتاج إلى القهوة والسجائر حتى في جنازة أمه، ويخرج مع صديقته إلى الشاطئ، إنه غريب، لا يمكن للمجتمع أن يفهمه، ولأنه كذلك، لا يجد أي تعاطف من المجتمع معه، فلذا عندما يقع، ويرتكب جريمة قتل، لا يحاكمه المجتمع على جريمته، بقدر ما يحاكمه على غرابته، وهو في خضم المحاكمة وفي خضم الحكم وتنفيذه وأيامه في السجن، لازال كما هو، لا يمكن لخوف اللحظات الأخيرة أن يقنعه، فيجعله يتظاهر بشيء لا يؤمن به حتى ينال خلاصاً ما.

ميرسو إذن مختلف، غريب، فماذا إذن عن العبثية؟ إنها ضاربة في الرواية، فالجريمة التي ارتكبها ميرسو، كان يمكن تجنبها، لقد قتل شخصاً لا علاقة له به، من أجل شخص لا تربطه به علاقة قوية، لقد ساعد ميرسو إنساناً منحطاً بلا دوافع كافية، فقط لأنه طلب منه ذلك !! ولحظة قتل ميرسو للشاب الجزائري لو استعدناها، تعبر بالضبط عن الفكرة التي أشرت إليها، فميرسو تحت الحرارة الشديدة، والشمس المسلطة عليه، ولمعة خنجر الشاب الذي لم يكن يهدده جدياً، قام بإطلاق النار وقتل الشاب، فلذا عندما سُأل في المحكمة عن سبب قتله للشاب، كانت إجابته حقيقية، إنها الشمس، لقد كانت الشمس تضايقه بالفعل، لقد أثرت على اتخاذه للقرار، ولن نفهم هذا من دون فهم تأثير الوجود المادي للإنسان على روحه وتصرفاته وأفكاره.

هل يعني هذا أن نتعاطف مع ميرسو؟ لا بالطبع، فهو قاتل، والرصاصة التي أطلقها أتبعتها أربع رصاصات أخرى، في هذه الرواية لا تهم مشاعرنا تجاه ميرسو، ما يهم هو رؤيتنا له، هل هو مختلف؟ أم هو مخبول؟ يمكننا أن نجرم كل ما فعله ميرسو، ويمكننا أن نتفهم شيئاً من أفعاله، ولكن المهم هو أن ندرك أن ميرسو وقع تحت حكمنا عليه، وأن اختلافه وغرابته ستجعله يدفع ثمناً، ربما لم يكن سيدفعه لو لم يختلف، لو كان نسخة منا.


قراءة 

تحميل

- Copyright © Scrabbles - Blogger Templates - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -