التعدد بين التشريع والعلم والأخلاق
يطالعنا الكثير من هواة تبرير التشريعات المتعلقة بأديانهم ببعض الدراسات والأبحاث التي تعطي صيغة عقلانية ومنطقية وعلمية لتلك التشريعات وتراهم يجهدون أنفسهم في لي عنق المنطق وتحريف الأبحاث واجتزاء ما يرضي طموحهم منها وقد لفتني بعض المنشورات التي تحاول تبرير تعدد الزوجات من باب أن ذلك شيء مفروغ منه بحكم زيادة عدد الإناث عن الذكور تارةً وأنها شيء غريزي لا يمكن الفكاك منه بالنسبة لطبيعة الرجل القابلة للتعدد(يربطون الإنسان بالحيوانات الأخرى هنا ضاربين عرض الحائط بكل رفضهم للداروينية والتطور)وطبيعة الأنثى التي تميل لتكوين علاقة واحدة هدفها الإنجاب واستمرار النوع.
سأحاول في هذا المنشور وضع بعض النقاط على بعض الحروف فيما يخص هذا الموضوع وتبيان بعض مكامن الخطأ في رؤيتنا له..
بالنسبة للعلاقة بين أي ذكر وأنثى(بشريين)فهي تتطلب المعرفة والوعي ومحاولة الإلمام بالنفس أولاً وبالآخر ثانياً والإلتزام هو الشرط الرئيسي والأساسي للعلاقة الناجحة والمتكاملة فبالنسبة لكل هذه الفروق البيولوجية بين الذكر والأنثى ليس علينا الوقوف منها موقف العاجز فالحيوانات جميعها تشترك بالغريزة وأن الأنثى تكون وعاء للتفريغ بالنسبة للذكر من أجل الإنجاب لحفظ النوع وذلك بناءً على غريزة البقاء ولكن ما يميز البشر عن جميع الكائنات هو العقل ومنتَجه العظيم(الوعي)مما يجعل من المعيب تسمية الغريزة الجنسية بهذا الإسم وإنما تتحول التسمية لتصبح الدافع الجنسي الذي يمتلك أسس أكثر وعياً وعقلانيةً ومنطقيةً من الحيوان ويتطلب طرقاً أكثر تعقيداً للإشباع كذلك..وهكذا نتيجة الوعي لا يجوز أن نسمح لأنفسنا أن نقع أسرى بيولوجانا وكما ترفّعنا عن الكثير من الدوافع الأخرى وعرفنا أنه معيب علينا أن تحكمنا مثل حب التملك الذي يشرعن أي شيء لإشباع هذه الغريزة فحولناها لدافع وألغينا كثير من طرق الإشباع(السرقة مثلاً..التسول وطلب مانرغب به من الآخرين...إلخ)وجعلنا بعض الأمور هي المسموح بها فقط للإشباع وعلى رأسها العمل بالتالي كذلك الأمر بالنسبة لفكرة التركيبة البيولوجية لنا كذكر وأنثى فالذكر تختلف طرق الإثارة والإشباع له عن الأنثى وعليه أن يدرك هو نفسه هذه الفروق ولا يقف منها موقف العاجز وإنما أن يسعى قدر الإمكان لمراعاة الشريكة في هذا الخصوص وإلا لن يختلف عن أي حيوان في هذا الوجود ولو تحدثنا عن التعدد مثلاً فالمرأة غالباً وفي كل مراحل عمرها بدءاً من سن المراهقة تميل للإرتباط برجل واحد تستطيع الإعتماد عليه وعلى جيناته وبنيته الجسدية والعقلية لإنجاب أطفالها وتربيتهم فيما بعد أما الرجل في مراحل حياته المبكرة فتفكيره في الغالب يكون حول إرضاء غروره وإشباع غريزته وآخر همه ما فكرت فيه المرأة من الإستقرار وتكوين أسرة ولكنك تجد الكثير من الرجال يسمحون لأنفسهم بتكملة المشوار بعد الإرتباط والزواج ويظلون مفتشين عن إشباع الغريزة وهو حق بيولوجي وغريزي لو كان حيواناً ولكن كونه إنسان فلا يجوز أن ينصرف لتحقيق رغبات الهو(خزان الغرائز والدوافع)وإنما واجب الأنا دوماً هو تحقيق التوازن بين الأنا الأعلى(خزان القواعد وضوابط السلوك لكبح الهو " الضمير ") وتلك(الهو)وبالتالي فالمشكلة تكمن في الأنا الأعلى بالنسبة لهؤلاء من حيث أنها نتاج البيئة التي يعيشون فيها والتي تسمح لهم بمثل هذا الشيء وتراه موضع فخر على الأقل بين الأصدقاء بالنسبة لتعدد العلاقات قبل الزواج وأحياناً بعده وموضع رضى وقبول من المجتمع بالنسبة لتعدد الزيجات كونه أمر جائز شرعاً فالحل يكمن في إصلاح تلك الأنا الأعلى وتحويل الأمر لقيمة سلبية تقمع رغبات الهو بالإشباع بعد الإرتباط مع شريكة واحدة ولا سيما ضمن إطار الزواج فعند اعتبار هذا الأمر من عدم مراعاة الشريكة ومشاعرها نوعاً من عدم احترام الذات وربطها بالخيانة دوماً بدل محاولة التبرير واعتبارها جريمةً بحق الأنثى لأنها تسبب لها الأذى وتهدد العلاقة ولا سيما الزوجية منها وتشبه السرقة والقتل والإغتصاب من حيث النتائج المترتبة عنها بحق الأنثى فسنتخلص من الكثير من المظاهر الذكورية في مجتمعاتنا وعندما يدرك الذكر أن التعدد ليس حلاً عند إطلاق النفس باتجاه الإشباع وأنما الحل يكمن في فهم قواعد وشروط الرضا بلعبة العلاقة الواحدة وأن الرجولة غير الذكورة فسننتهي من كثير من مشاكل هذا المجتمع وستكون بداية لترسيخ قيم أكثر عقلانية ومنطقية وأخلاقية في مجتمعاتنا نستطيع إمرارها لأولادنا والأجيال التي تلينا..