Posted by : Unknown الأحد، 18 مارس 2018



في عصر النهضة بفلورنسا كانت توضع صناديق في مختلف أجزاء المدينة، يمكن لأي شخص أن يضع فيها الانتقادات وأن يبلغ عن كل أنواع الجرائم الأخلاقية دون أن يكشف عن شخصيته، وكانت الجريمة الأكثر إزعاجا هي الشذوذ الجنسي، وبسبب شكوى في واحد من هذه الصناديق تم الإيقاع بالفنان ليوناردو دافنشي عندما كان في الرابعة والعشرين من عمره، وربطت الشكوى بينه وبين رجل يعمل حدادا، وألقى القبض على ليوناردو دافنشي، وبقي في السجن لفترة قصيرة ثم أسقطت التهمة بعد شهرين بسبب نقص في الشهود، كانت العقوبات التي تنتظر الفنان كبيرة، غرامة مالية، إهانة علنية، النفي عن المدينة، ولا نعرف إن كان الخوف من هذه العقوبات قد غير من سلوكه أما لا، أو أنها تركت أثرها على شخصيته، ولكنه تعود بعد ذلك أن يذهب للسوق ويشترى الطيور المحبوسة ثم يطلق سراحها من أقفاصها، وخلال العامين التاليين انكب على الكتابة وعمل المخططات، كان يريد اختراع آلة تستطيع أن تفتح أبواب السجن من الداخل. وآلة أخرى لتحطيم القضبان الموجودة على النوافذ، وبلغت هذه الرسوم والتخطيطات سبعة آلاف صفحة، موزعة الآن بين العديد من المتاحف الدولية وتعرف "بمخططات ليوناردو" وهي مختلفة الأحجام، بعضها مجرد رسوم سريعة والبعض الآخر دراسات في الجيولوجيا والنباتات والتشريح، مع بعض التساؤلات التي كانت تشغله مثل لماذا السماء زرقاء؟ كيف يعمل القلب داخل الجسم؟ ماهو ضغط الهواء على أجنحة الطيور وهي تحلق وهل يمكن للإنسان أن يصنع آلة طائرة؟ وتساؤلات أخرى عن مختلف الأمراض، وعلى مر العصور فقدت العديد من هذه الأوراق، لقد أخبرنا ليوناردو بالكثير عن العالم والقليل عن نفسه. أعطت هذه الحادثة القليل من المعلومات حول شخصية السيدة مونا ليزا صاحبة لوحة الجيوكندا الشهيرة، ولماذا لم يقم ليوناردو برسم زوجها الذي كلفه برسمها، لقد تغير الإحساس العام حول الطبيعة الحقيقية لهذه الصورة، ورأي العديد أن ملامحها تميل للخنثى أكثر من كونها كاملة الأنوثة، ومؤخرًا كشف دان بروان في روايته "شفرة دافنشي" أنه توجد امرأة بين الجالسين مع المسيح على المأدبة في لوحة العشاء الأخير، وقد فتح هذا الباب حول مناقشة سيولة الجنس في لوحات الفنان.


سريةإنه ليس شخصا عاديا، ولكنه ابن غير شرعي، مثلي الجنس، نباتي، أعسر، سريع التشتت، ملحد أحيانا، ولكنه صادق بدرجة كافية، كان محظوظًا بعدم شرعيته لأنه لم يرث عمل أبيه الذي كان كاتبا للعدل، ولم يتلق إلا قدرا ضئيلا من التعليم، هرب من دروس اللاتينية الثقيلة ولكنه درسالرياضيات والكتابة، وعلم نفسه بعيدا عن أي نوع من السلطة، كان حرا وقادرا على الإبداع، وفي أيامنا كان من الممكن اعتباره حالة مرضية تستحق العلاج، وكان من الممكن أن يقتل الدواء الحديث قدرته على الإبداع، ولكن عبقرية دافنشي كانت مركبة لا يمكن الفصل فيها بين الفن والعلم، أو الملاحظة عن التخيل، إنه الإبداع التجميعي، الذي هو سمة كل عبقرية.

وقد تم التعرف أخيرا على والدة ليوناردو وهي سيدة تدعى كاترينا، من بلدة صغيرة توسكاني، من طبقة أقل من أبيه "بيرو" الذي هجر المدينة إلى فلورنسا مباشرة بعد مولد ليوناردو ليتزوج امرأة محترمة، كانت الأم واحدة من العبيد الذين تم أسرهم من شمال إفريقيا ولم تكن تتعدى السادسة عشرة عندما حملت، ولا أحد يعرف إن كان ليوناردو قد عاش معها أم لا، ولكن تم تعميده وعاش معظم الوقت مع أسرة والده كطفل ريفي، ورغم أنه أعسر فقد وجد صعوبة في تعلم الكتابة، كان من الأسهل عليه أن يعبر عن نفسه بالرسم، وانتقل ليوناردو إلى فلورنسا للعيش مع والده فور أن ماتت زوجة الأب وابنها الوحيد، وبعدها بدأ العمل في ورشة فيروشيكيو الذي كان زبونا عند أبيه، وكانت المدينة تمر بحالة من الرخاء جعلت الطبقة الثرية فيها تُزين كل غرف المنازل فيها بريشة الفنانين وأعمال النحت على الخشب، وكانت الشوارع أيضا مليئة بالتماثيل، تعلم ليوناردو في الورشة ليس الرسم والنحت فقط ولكن صب المعادن ورسوم العمارة. 

بقي ليوناردو في الورشة رغم تصاعد شهرته، وتم اتهامه بالشذوذ وهو فيها، واضطر لمغادرة المدينة فور أن تم الإفراج عنه إلى مدينة أخرى حتى يتجنب إحراج أبيه الذي كان قد تزوج للمرة الثانية وأصبح له أبناء شرعيون، ولم يعد لفلورنسا إلا بعد أن أحضرته أسرة ميديتشي الغنية ليرسم ابنتها، وهذه اللوحة الآن هي أحد كنوز الفن العالمي، وقد ساعدوه حتى يؤسس الاستديو الخاص به ولكنه لم يرتح كثيرا في هذه المدينة المعادية فانتقل إلى ميلان. "لص وكاذب وغشاش ومخادع" بهذه الأوصاف الأربع كتب ليوناردو بعد أن أقام عقدا من الزمن في ميلانو واصفا الشخص الذي كان له أثر كبير في حياته، جيان كابريتو الذي كان في العاشرة عندما دخل الورشة ليعمل خادما وموديلا وليتمرن على الرسم، كان الغلام على درجة كبيرة من الجمال وظهر وجهه في رسوم الملائكة التي كان يرسمها ليوناردو، وأطلق عليه لقب "سلاي" وتعني الشيطان الصغير، وبسرعة أصبح عشيق الباب الخلفي المفضل له، وظل وجهه يظهر في لوحاته في مختلف مراحله العمرية حتى بعد أن اختفى شعره المجعد وظهرت له لحية، بل أن مونا ليزا نفسها تحمل شبها من هذا الشيطان الصغير، خاصة لوحة مونا ليزا العارية، وهي رسم تخطيطي لجبوكندا دون ثياب حيث يظهر ثدييها عاريين، وأثبت الخبراء أن هذا الرسم ينتمي لدافنشي خاصة الجزء الأسفل منه، وقد غير دافنشي في الملامح في اللوحة الأصلية ولكن سلاي ظل موجودا، وفي النهاية كان لابد من الافتراق، فارقه صديقه الفتى وهرب مع فنان آخر أقل شهرة إلى فرنسا وتركه حانقا وحزينا، وأصبحت ميلانو هي مدينة ذكرياته المعذبة، وعندما اجتاحتها قوات الاحتلال الفرنسي وجدها فرصة ليغادر إلى مدينته الأصلية فلورنسا، ولكنه ترك وراءه لغزا محيرا للفرنسيين، فعلى حائط كنيسة "سانتا ماريا ديلا جاريزي" كانت توجد لوحته الضخمة العشاء الأخيرة، وأراد الملك لويس الثاني عشر الحصول عليها وجمع كل قادته ومهندسيه وفنانيه لانتزاعها من مكانها دون جدوى. في سنواته الأخيرة خلَدَ ليوناردو للراحة، وكانت آخر أعماله ليس في مجال الرسم أو التماثيل أو حتى العمارة ولكن في تصميم الحدائق، صمم حديقة فردوسه الخاص، ولم يرد أن يغادرها حتى آخر يوم في حياته.
------

المصدر 

دو+دافنشي+لوحة+الجيوكندا+المونا+ليزا

- Copyright © Scrabbles - Blogger Templates - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -