Posted by : Unknown
الخميس، 15 مارس 2018
يتفاخر المسلمون بأن الإسلام جاء ليقضي على الوثنية وأنّ إلههم واحد بينما إله المسيحية وإله اليهودية تكتنف وحدانيتهم بعض الشكوك. وللتأكيد على وحدانية إلههم يبدأ المسلمون تشهدهم بعبارة (لا إله إلا الله). ولكن هل حقاً تعكس هذه العبارة ما يحدث في المجتمعات الإسلامية؟ وهل حقاً جاء الإسلام ليقضي على الوثنية؟
قبل مجئ الإسلام كان جزء من أهل مكة يعبدون الأصنام بينما كان فيهم المسيحي والحنيفي الذي يؤمن بإله واحد. والكعبة نفسها ربما كانت معبداً مسيحياً به صور مريم العذراء وابنها يسوع مع صور بعض الأنبياء مثل إبراهيم. وكان بها كذلك أصنام. وعند دخول محمد مكة منتصراً، حطم الأصنام ومحى كل الصور ماعدا صورة مريم وابنها يسوع، ربما احتراماً للقس ورقة بن نوفل. وربما كان محمد ينوي من تكسير الأصنام حمل العرب على عبادة إله واحد، ولكن عرب مكة الذين كانوا حديثي العهد بالإسلام عندما مات محمد (فتح مكة عام 8 هجري وتوفى عام 10 أو 11 هجري) وعرب المدينة الذين عاصروا النبي عشر سنوات فقط قبل أن يتوفاه الموت، قد استعاضوا عن الأصنام بعبادة رسول الإسلام الذي أصبح في نظرهم إلهاً. فقد جعلوه معصوماً عن الخطأ رغم أخطائه الكثيرة التي حفظتها لنا كتب السيرة، ورغم أن محمد يقول لهم في القرآن (وما أنا إلا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ). وجعلوا من بصاقه وشعره مكنوزات يتقاتلون عليها، وشربت خادمته – أم أيمن – بوله، فقال لها (لا يَيْجَعُ بطنكِ أبداً.) (أسد الغابة في تعريف الصحاية، باب الكنى من النساء). وجعل الفقهاء أقواله وأفعاله فوق القرآن، فسنوا رجم الزانية رغم أن القرآن يقول لهم في آخر سورة نزلت قبل وفاة محمد (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رحمة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (النور، 2). وهذه السورة نزلت قبل أشهر من وفاة الرسول، ولأهمية التشريع عن الزنا جعل الله الآية المذكورة ثاني آية في السورة بعد الآية التي تقول (سورة أنزلناها وفرضناها وانزلنا فيها آياتٍ بيناتٍ لعلكم تذكرون). فماذا يمكن أن يقول لهم الله أكثر من هذا ليؤكد لهم أن عقاب الزانية الذي يرضاه هو الجلد؟ ولكن لأن الفقهاء كانوا يعبدون الرسول بدل الله اختلقوا قصة عن امرأة من اليهود زنت ورجمها محمد، فأصبح فعله يعلو على القرآن. إنها الوثنية العربية التي لم تفارقهم.
وإذا تركنا الفقهاء والعامة الذين عبدوا الرسول بدل مرسله، نجد أن القرآن نفسه احتضن وأثبت في تعاليمه عدداً لا يستهان به من الممارسات الوثنية. وسوف استعرض بعض هذه الممارسات التي احتضنها الإسلام.
رقصة المطر:
عندما اكتشف الإنسان الزراعة ودجّنَ الحيوانات عرف أهمية المطر في نجاح الزراعة ونمو الأعشاب للحيوانات المدجنة. ولما كانت المجموعات الإنسانية الأولي تعيش حول الأنهار وتزرع بمائها، لم يكن لديهم اهتمام كبير بالأمطار لأنهم لم يكونوا يعرفون أن الأمطار هي السبب في الفيضانات التي تسمح لهم بالزراعة. ولذلك اهتموا بالأنهار وقدموا لها القرابين كي تفيض عليهم كل عام. ولما كبرت المجتمعات واضطر بعضها للنزوح إلى مناطق ليس بها أنهار، أصبح جزء كبير منهم يعتمد على الأمطار في الزراعة. وبذلك اكتسبت الأمطار أهمية كبيرة في حياتهم. ولكن لجهلهم بكيفية تكوين السحاب ونزول الماء منه، اعتقدت أغلب المجتمعات وقتها أن السحاب تكونه أرواح أسلافهم التي تنزل مع الماء لتخصب لهم مزارعهم وتدر اللبن في ضروع مواشيهم. وبالضرورة مرت عليهم سنوات لم ينزل بها مطر وماتت مواشيهم من الجفاف، فحسبوا أن أرواح الأسلاف قد غضبت عليهم. وفي محاولة لإرضاء هذه الأرواح راحوا يقدمون لها الرقصات والأغاني والقرابين لترضى عنهم وتنزل لهم الأمطار. وسُميت هذه الرقصات ب (رقصة المطر) Rain Dance، وكانت تمارس في عدة مجتمعات من مجتمعات الهنود الحمر في أمريكا وكذلك مارسها السكان الأصليون في استراليا ونيوزيلندة ومناطق الجفاف في أفريقيا. غير أن هذه الرقصات لم تجد طريقها إلى أوربا لأن المناخ في أوربا كان ومازال ممطراً أغلب السنة. وفي جزيرة العرب الصحراوية كان الناس يعتمدون على المطر كلياً، ولكن لأن الرقص لم يكن من عاداتهم، فقد استعاضوا عن رقصة المطر بدعاء الآلهة من فوق رؤوس الجبال لتنزل عليهم المطر. يقول د. جواد علي ( وقد ذكر الاخباريون طريقة من طرق اهل الجاهلية في الاستسقاء، ذلك انهم اذا اجدبوا وانحبس المطر عنهم، عمدوا الي السلع والعُشَرْ، فحزموهما وعقدوهما في أذناب الابقار واضرموا فيه النيران، وأصعدوها في جبل وعر قبل المغرب، ثم اتبعوها يدعون ويستسقون يقولون لذلك المسلعة) (بلوغ الارب 2/161، نقلاً عن تاريخ العرب قبل الإسلام).
وجاء الإسلام واستبدل هذه الشعيرة بصلاة الاستسقاء، حيث يصطف الناس صفوفاً ويدعون الله أن ينزل عليهم المطر. ويبدو الوضع غريباً هنا. إله في السماء ينزل المطر بلا حساب على قوم في أورباً يشتكون من كثرتها وهم لا يؤمنون به، ويمسك الأمطار عن قوم آمنوا به. وحتى عندما يستجيب إلى دعواتهم، ينزل المطر بلا حساب. فرغم أنه يقول في القرآن (وإنْ من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) ففي مرة من المرات عندما استسقي النبي ربه أنزل الله كمية من الأمطار أغرقت مكة ودمرت الحيطان، فدعا الرسول ربه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا). وهذا إنْ دل عل شيء فإنما يدل على أن المطر شيء طبيعي لا دخل للإله به، أو أن إله الإسلام يغتاظ من الذين يدعونه فينزل عليهم أكثر مما يحتاجون حتى يتوبوا ويطلبوا منه أن يكف. والغريب أنّ هذه الشعيرة استمرت حتى الآن في القرن الحادي والعشرين بعدما عرفنا كيف ومتى يتكوّن السحاب ومتى يمطر ذلك السحاب، وأصبح بمقدورنا أن نتنبأ بموعد نزول الأمطار وأن نفرّق السحاب إذا لم نرد له أن يمطر عندنا. أما حكام العرب فما زالوا يقودون صلاة الاستسقاء بعد أن يستشيروا مكاتب الإرصاد الجوي و بعد أنْ يعرفوا متى سوف تمطر السماء في بلادهم. فالاستمرار في صلاة الاستسقاء ما هو إلا التمسك بالعادات الوثنية
رقصة الشمس:
كان القدماء يعبدون الشمس ويصلون لها في مصر وغيرها من البلدان. وفي أمريكا كان الهنود الحمر كذلك يعبدون الشمس وفي المناسبات العامة كانوا يرقصون رقصة الشمس ويقف الرجال في حلقة حول عمود من الخشب ويرقصون ويتغنون بالشمس، خاصة عندما تكسف. وفي شمال القارة حيث توجد كندا الآن، كان الهنود الحمر القريبين من القطب الشمالي، حيث تمثل الشمس عندهم قوة مطلقة تهبهم الدفيء والنور، كانوا يعبدونها ويرقصون لها ويقدمون لها القرابين إلى وقت قريب إلى أن أصدرت الحكومة الكندية قانوناً يُجرّم رقصة الشمس وتقديم القرابين في عام 1880 ميلادية،. ولكن رغم القانون الذي لم تتشدد الحكومة في تنفيذه، فقد استمرت ممارسة رقصة الشمس. وطبعاً كل الوثنيين الذين عبدوا الشمس ورقصوا لها فعلوا ذلك لجهلهم بماهية الشمس واعتقادهم أنها لن تشرق عليهم إذا لم يرقصوا لها ويقدموا لها القرابين.
وجاء الإسلام الذي لم يكن يفهم عن الشمس أكثر مما كان يفهم الوثنيون القدامى، وكان النبي والأعراب من حوله يخافون من كسوف الشمس، فأوصى بصلاة الكسوف وصلاة الخسوف عندما تكسف الشمس أو يخسف القمر. (( ولما كَسَفَتِ الشَّمسُ، خرجَ صلى الله عليه وسلم إلى المسجد مُسرِعاً فزِعاً يجُرُّ رداءه، وكان كسُوفُها في أوَّل النهار على مقدار رُمحين أو ثلاثة مِن طلوعها، فتقدَم، فصلى ركعتين، قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة طويلة، جهر بالقراءة، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم رفع رأسه من الركوع، فأطال القيام وهو دون القيام الأول، وقال لما رفع رأسه: (سَمعَ اللَّه لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الحَمْد)، ثم أخذ في القراءة، ثم ركع، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأولِ، ثم رفع رأسه من الركوع، ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الأخرى مِثلَ ما فعل في الأولى، فكان في كُلِّ ركعة رُكوعان وسجودان، فاستكمل في الركعتين أربعَ ركعات وأربعَ سجدات.)). (زاد المعاد لابن القيم الجوزية، ج1، ص 209). ويقال إن النبي بكى لما كسفت الشمس ((وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كَسَفت الشَّمْسُ، وصلى صلاة الكُسوف، وجعل يبكي في صلاته، وجعل ينفخ، ويقول: (رَبِّ أَلَمْ تَعِدْني أَلاَّ تُعَذِّبَهُم وَأَنَا فِيهِمْ وهُمْ يَسْتغْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُك) وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وكَانَ يَبكي أحياناً في صلاة اللَّيلِ.)) (زاد العاد، ج1، ص 79). فقد حسب النبي عندما كسفت الشمس أن الله سوف ينزل عليهم عقاباً كعقاب عادٍ أو ثمود، فقال له: ( رَبِّ أَلَمْ تَعِدْني أَلاَّ تُعَذِّبَهُم وَأَنَا فِيهِمْ). وطبعاً ليس هناك أي سبب لصلاة الكسوف إذ أنها ظاهرة طبيعية نستطيع أن نتنبأ بزمن حدوثها وكم سوف يدوم الكسوف. فصلاة الكسوف ما هي إلا إحدى الشعائر الوثنية، مثلها مثل رقصة الشمس.
العقيقة والختان
الشعوب الوثنية البدائية احتفلت بعدة محطات معينة في حياة الإنسان، منها ميلاده، وبلوغه سن الرشد وإنتمائه إلى الرجال المحاربين أو انتماء البنت إلى النساء واهبات الحياة، عندما تبدأ دورتها الشهرية، ثم الزواج والموت. وكان الإنساان البدائي يحتفل بكل هذه المحطات ويقدم القرابين لآلهته. يسمي علماء الاجتماع هذه الاحتفالات Rites of Passage أي طقوس أو شعائر مرور الإنسان بتلك المحطات. وأهم هذه الشعائر شعيرة الاحتفال بولادة طفل. كانت القبائل البدائية تحتفل بميلاد الصبي وتقدم القرابين لأرواح الأسلاف التي منحتهم صبياً سوف يصير رجلاً يصطاد لهم قوتهم ويدافع عنهم. وجاء الإسلام واحتضن هذه الشعيرة وسماها العقيقة. وتمشياً مع الشعيرة الوثنية التي تحتفل بالصبي، فقد جعل الإسلام عقيقة الصبي شاتين وعقيقة البنت شاةً واحدة. وكما كانت القبائل الوثنية تقدم القرابين، يقدم الإسلام الشاة قرباناً، عادةً في اليوم السابع من ولادة الطفل، ويحتفل القوم ويأكلون القربان.
أما الختان فهو من العادات الوثنية القديمة وكان سائداً في إفريقيا وعرب ما قبل الإسلام الوثنيين. والعرب في ذلك كالعبرانيين. يقول د. جواد علي: (والختان هو في الاصل نوع من انواع العبادة الدموية التي كان يقدمها الانسان الي الارباب، وتعد اهم جزء من العبادات في الديانات القديمة، فقطع جزء من البدن وإسالة الدم منه هو تضحية في عرف أهل ذلك العهد ذات شأن خطير. وكان الجاهليون يقولون لمن لم يختن ( الاغلف) و (الاغرل") وهم يعيبون من لم يختن ويعدون الاغلف ناقصاً) (جواد علي، تاريخ العرب قبل الإسلام، ج5، ص277). وجاء الإسلام واحتضن الختان وجعله شريعةً معترف بها خاصةً للذكور. وليس للختان أي فوائد طبية معروفة حتى نقول إن الله قد أمر به لفائدة الناس. وما ظهر أخيراً في الصحف السيارة من أن الختان يقي الرجال من مرض فقدان المناعة المكتسب، قولٌ لا يدعمه أي دليل علمي.
الحج:
عندما تكونت المجتمعات الإنسانية كان إله كل مجموعة يقطن بينهم، سواء أكان طوطماً أو صنماً أو شجرة. وبظهور آلهة السماء واختراع الإنسان الملاحم التي تُكرّم تلك الآلهة، اتخذ الإنسان في الأرض معلماً في مكان معين يمثل بيت الآلهة أو مكان نزول الآلهة من السماء. وصار الناس من المناطق المجاورة يحجون لتلك المواقع. فمثلاً في الهند، وقبل ألفين سنة قبل الميلاد، نسج المجتمع الهندي أسطورة حول نهرهم العظيم، نهر جانكيز Ganges فحواها أن النهر خُلق في السماء ثم أنزلته الآلهة إلى الأرض ليطهر بمائه النقي ذنوب البشر. ومنذ ذلك التاريخ السحيق ظل الهندوس من كل أنحاء الهند يحجون سنوياً إلى ذلك النهر وينغمسون في مائه ليطهروا أنفسهم من الذنوب. وما زال هذا الحج يحدث سنويا ويحج في المتوسط حوالي مليون هندوسي في كل موسم.
وقبائل المايا في أمريكا الجنوبية كانت لهم حضارة عظيمة قبل الميلاد وبنوا معابد ضخمة في الصخور لآلهتهم وكانوا يحجون إليها كل عام. وفي إنكلترا توجد بقايا معبد في سهل سالسبري يُدعى (إستون هنج) Stonehenge أقامته قبائل قديمة قبل حوالي خمسة آلاف عام وكانوا يحجون إليه ليعظموا الشمس. وعرب ما قبل الإسلام بنوا عدة كعبات للحج، أكبرها وأشهرها كانت الكعبة التي بمكة. وكانت القبائل العربية تحج كل عام إلى تلك الكعبة ووضعت كل قبيلة صنمها حول الكعبة لتحج إليه. وكانوا يطوفون حول الكعبة سبع مرات ويرددون التلبية (لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك). وكانوا يهرولون بين الصفا والمروة، وكانوا يرمون الجمرات على كمية من الحجارة يسمونها الرجمة، يرصونها فوق بعضها البعض تشبيهاً أو تمثيلاً لقبور أسلافهم، ويرمون الحجارة الصغيره عليها تعظيماً لها. ثم بعد انتهاء موسم الحج كانوا يقصون شعورهم تعظيماً لأصنامهم. ثم يذبحون القرابين ويولمون وتكون الوليمة مفتوحة لكل من ورد مكة. وقد كان الحج إلى مكة في شهر ذي الحجة منذ أقدم العصور، وقد ورد شهر ذي الحجة في المسند منذ أيام ممالك اليمن القديمة.
وجاء الإسلام واحتضن الحج بكل مقوماته وجعله منسكاً إسلامياً من مناسك وشعائر الله. وزيادة في الوثنية جعل الإسلام تقبيل الحجر الأسود بالكعبة شعيرة لا يتم الحج بدونها. فالإسلام الذي جاء لينهي تقبيل الأصنام فرض على المسلمين تقبيل الحجر الأسود الذي تآكل وتفتت من كثرة تقبيل المسلمين له، وما هو إلا حجر عادي من نيزك وقع من الفضاء. وقد فطن عمر بن الخطاب لهذه السخرية من العقل البشري وقال مخاطباً الحجر (إني أعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقّبلك لما فعلت).
ولا يقف تشبه الإسلام بالجاهليين الوثنيين عند هذا الحد. فقد كان بعض عرب الجاهلية المتأثرين بالدعوة الحنيفية، ويُسمون الحمُس، كانوا يطوفون حول الكعبة عراة احتراماً لإلههم الذي لا يطوفون حول بيته في ملابس كانوا قد أذنبوا وهم يلبسونها. وقد احتضن الإسلام هذه العادة وفرض على الرجال الحج وهم عراة إلا من قطعة من القماش يلفونها حول خواصرهم. وجعل رمي الجمرات شعيرة القصد منها رجم الشيطان بدل تعظيم قبور الأسلاف. وماعدا ذلك فكل شيء من شعائر الحج ماهو إلا تطبيق لما كان يطبقه الوثنيون قبل الإسلام.
وكان لعرب الجاهلية المتناحرين على مر الشهور أربعة أشهر حرّموا فيها القتال وسموها الأشهر الحُرم. وقد أعجبت الفكرة إله الإسلام فقال (إنّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض منها أربعةُ حُرمٌ ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافةً كما يقاتلونكم كافةً واعلموا أنّ الله مع المتقين) (التوبة 36)
ولأن إله الإسلام كان قد أُعجب بفكرة الأشهر الحُرم فقد قال (الحج أشهرُ معلوماتٌ فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (الحج 28). ويبدو أن الأمر قد أختلط هنا على القائل لأن الحج أيامٌ معلومات وليس أشهراً. فهو يقول عن الحج في سورة البقرة (ليذكروا اسم الله في أيام معلومات).
وكان العرب الوثنيون يتشاءمون إذا طار طائر عن يسار المسافر فكان يؤخر سفره لذلك، ويتفاءلون إذا طار الطائر عن يمين المسافر، وكانوا يقولون للرجل الذي لا يسمع نصيحتهم (طائرك في عنقك). وجاء القرآن واقتبس هذا التطير وقال (وكل إنسانٍ ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا) (الإسراء 13). ويبدو واضحاً من هذا السرد أن الإسلام بدل أن ينهي الوثنية قد أثبتها وجعلها شعائر يقوم بها المسلمون. وكنتيجة لهذه الوثنية نجد صور الزعماء، وبحجم أكبر من أحجامهم الطبيعية، تطل علينا في الشوارع وفي المكاتب والمستشفيات ولا بد لكل محطة تفزيون وصحيفة قومية أن تبدأ إرسالها أو صفحتها الأولى بذكر خبر تافه عن الرئيس المبجل. وقد حمل هذا التعظيم والتبجيل بعضهم ليقول للحاكم:
ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ **** أحكمْ فأنت الواحد القهارُ
(ابن هاني الأندلسي يمدح الخليفة المعز لدين الله)
وقال علي بن بجلة –العكوك- يمدح القاسم بن عيسى:
أنت الذي تُنزل الأيامَ منزلها **** وتنقلُ الدهر من حالٍ إلى حالِ
وقال شفيق الكمالي يمدح صدام حسين:
ووجهك القدسي فينا **** كوجه الله ينضحُ بالجلال
فهل هنالك وثنية أكثر من هذه؟ ومع ذلك لم نسمع واعظاً واحداً من وعاظ السلاطين يقول: لقد كفر هؤلاء الشعراء. والسبب طبعاً لأنهم كانوا يمجدون أولي الأمر الذين يجب أن يطيعهم المؤمنون. أما عندما يقول محمود محمد طه إن الصلاة قد رُفعت عنه، فيشنقونه لأنه لم يكن يمجد الأوثان الحاكمة. بئس وعاظ السلاطين وما يؤمنون به.